خطيب إحدى الجوامع يوجه رسالة للمسؤولين" اتقوا الله في هذا الشعب" لقد نهبتم ثروته واملاكه
في خطبة جمعة استثنائية حملت طعماً دينياً وأبعاداً اجتماعية عميقة، ألقى الخطيب الحضرمي سعود فيصل بن كليب النهدي "أبو محمد" كلمة صادحة على منبر الجمعة تناولت قضايا الأخلاق العامة، الأمانة، والعدالة، وصولاً إلى حديث جريء عن جريمة السرقة وعقوبتها كما وردت في القرآن والسنة. كانت الخطبة — كما وصفها الحاضرون — مزيجاً من التأصيل الشرعي والنداء الأخلاقي، ووقفة صارخة أمام واقعٍ يئنّ من الفساد والظلم والاستغلال.
افتتح الخطيب خطبته بتأكيدٍ قاطع على أن الحدود الشرعية جاءت لتحقيق العدل وحفظ الحقوق: «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما» آية لا تُفهم بمعزل عن روح الشريعة والهدف منها، كما استدل بسنة النبي ﷺ حيث قال: «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، مشيراً إلى أن حكم الله ليس حكماً انتقائياً بين كبيرٍ وصغير، أو بين غني وفقير، بل هو قاعدة ثابتة لا تفرق بين أحدٍ من الناس.
*حين يصبح الضعيف مطيةً للوسطاء*
انتقل الخطيب من العرض الشرعي إلى وصف واقع مؤلم: «إنما أهلك من قبلِكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»؛ وقال بصوتٍ محمّل بالاستنكار إن الأمة اليوم تشبه تلك الحال في بعض مظاهرها، حيث الوساطة والمجاملات تُمكّن القوي من الإفلات، بينما يُحاسب الضعيف على أبسط الأخطاء. وصف النهدي هذا الواقع بأنه «غابة يأكل فيها القوي الضعيف»، محذراً من خطر انحراف تطبيق العدالة إلى أداة تمييز لا حماية.
*سرقة أم نهب منظّم؟ — من البيضة إلى خيرات البلاد*
لم يكتفِ الخطيب بالحديث عن سرقة البيضة أو الحبل التي وردت في الأحاديث، بل ذهب أبعد من ذلك ليتساءل بموجة من الغضب الأخلاقي: «نحن في اليمن لم يُسرقوا بيضة أو حبل، بل نُهبت خيرات البلاد من بحارها وجبالها». هذا الانتقال من الحديث الفردي إلى الدعوة لمساءلة منهجية كشف عن قلقٍ أخلاقي تجاه نهب الموارد واستغلال النفوذ. ووجّه النهدي كلامه مباشرة للمسؤولين قائلاً: «ألا قسمتم على المحافظة على خيرات البلاد؟ فما الذي جعل القسم ممراً للنهب بدلاً من أن يكون حجراً أساسياً في بناء الدولة والضمير؟»
*مخاطبة المسؤولين: بين اليمين والواقع*
لم تغب المساءلة المباشرة عن خطبة النهدي؛ فقد خاطب مديري المديريات ووكلاء المحافظات والمحافظين والوزراء ورؤساء الهيئات بالدعوة إلى محاسبة الضمير قبل الحساب أمام الناس: «اتقوا الله في هذا الشعب اليمني الذي جوعتموه»، كان نداءً إنسانياً قبل أن يكون دينياً، تذكيراً بأن السلطة تُقاس برفعة المسؤولية لا بسطوة المنصب. وأضاف تحذيراً أخلاقياً: «اتقوا الله قبل أن يأتيكم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون».
*دعوة للتغيير من كل خطيبٍ وكل إنسان*
أنهى الخطيب خطبته بنداءٍ عامٍ إلى جميع الخطباء والدعاة: أن يكونوا صادقين في نقل المنكر وتغييره. استند في ذلك إلى الحديث النبوي: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». وقال بصراحةٍ تواضعها ناصح أمين: إنه ليس أحداً أملى عليه الكلام، بل هو واقفٌ كناصحٍ للأمة، يأمل أن تكون خطبته «أذاناً ساغية وقلوباً واعية».
*أثر الخطبة على الحضور والشارع*
تفاعل المصلون مع كلام الخطيب بوضوح؛ إذ عبّر كثيرون عن تأييدهم لما طرحه، معتبرين أن الخطبة جاءت في توقيتٍ حساس حيث تتقاطع مع معاناة يومية يعيشها المواطن: انقطاع الخدمات، تدهور القدرة الشرائية، والفساد الذي يهدر حقوق الناس. وصفٌ واحد تكرر بين الحاضرين: أن الخطيب نطق بما لا يجرؤ آخرون على قوله بصراحة.
*خاتمة: بين الدين والأخلاق والسياسة*
خطبة سعود بن كليب النهدي لم تكن مجرد تعليقٍ على نصوص شرعية بل كانت ساحةً لقراءة أخلاقية في واقعٍ مُتعب؛ قراءة تضع المسؤولية أمام الجميع: التجار، الصرافين، والمسؤولين، وكذلك أمام خطباء المساجد والدعاة. رسالته المركزية كانت واضحة: إن العدالة والأمانة ليسا شعارين تُرفعان عند الحاجة، بل مسؤولية يومية تُقاس بمقدار ما يُحفظ للشعب من حقوق، وبمقدار ما يُطبّق من أحكام شرعية وعدلية دون تمييز أو محاباة.
وختم الخطيب بالدعاء، آملاً أن تكون كلماته محرّكاً للتغيير: «قلبٌ سليم يرضى الله عن صاحبه، وأن يزول الظلم ويعود الحق لأهله». في زمن تتراكم فيه الأزمات، تبدو هذه الخطبة نداءً للضمير الجمعي، ومنبرًا يذكّر بأن الدين يدعو إلى العدل ــ وأن العدل هو أولى أولويات أي مجتمع يريد أن يعيش.
اقرأ أيضاً
تدشين المخيم الطبي لجراحة العيون بمستشفى رؤية بالمكلا
جريدتنا اليومية
انضم إلينا لتبقى مواكباً لأحدث
التطورات المحلية والعالمية
