شيرين أبو عاقلة… حين تتحول الصحافة إلى سيرة وطن

تقرير / بسمة نصر
في زمن مضطرب، يمارس فيه الإعلام على عجل، وتنتج فيه الروايات تحت ضغط اللحظة، خرجت تجربة شيرين أبو عاقلة من القاعدة، لترسخ معنى آخر للصحافة: الصحافة بوصفها التزاما، ذاكرة، وموقفا.
الكتاب الصادر مؤخرا بعنوان “شيرين أبو عاقلة… سيرة صحفية” ليس مجرد رثاء أو تأريخ عاطفي لزميلة راحلة. بل هو عمل تحليلي منهجي، يتناول مسيرتها من خلال قراءة مهنية في التقارير التي أعدتها على مدى عقدين، ليعيد بناء صورتها كصحفية ميدانية سلكت طريقها بصمت، ولكن بحضور لا يخطئه أحد.
شيرين لم تكن “نجمة” بالمعنى التلفزيوني، لكنها كانت بوصلة. لم تسع للشهرة، بل آمنت أن نقل صوت الناس هو الرسالة. في كل تقرير، كانت تمارس الصحافة بانضباط أخلاقي نادر: لا تهويل، لا تسطيح، ولا افتعال. كانت تحسن استخدام الكلمة والصورة لتقول ما يجب أن يقال، وتترك للمتلقي مساحة للفهم لا للانفعال.
الكتاب يبرز ملامح هذه المهنية الدقيقة، من اختيار اللغة، إلى دقة المعلومات، إلى الطريقة التي كانت تبقي فيها الإنسان في قلب القصة، لا على هامشها. لم تكن تحكي عن فلسطين بوصفها جغرافيا، بل كوجع حي، كقضية يتنفسها الناس في البيوت والمدارس والشوارع والمخيمات.
لكن ما يلاحظ على الكتاب – رغم قيمته التوثيقية العالية – أنه يغيب عنه البعد الشخصي الإنساني. القارئ لا يتعرف على شيرين كإنسانة: ما الذي كانت تخشاه؟ ماذا كانت تحب؟ كيف كانت ترى العالم بعيدا عن الكاميرا؟ تلك الأسئلة تركت معلقة، ربما لتجاب في كتاب آخر، أكثر حميمية، أكثر عاطفة.
شيرين أبو عاقلة رحلت وهي ترتدي سترة الصحافة، لكنها تركت وراءها أكثر من قصة مهنية. تركت مثالا نادرا على أن الصحفي لا يقاس بعدد التقارير، بل بمقدار الصدق الذي يزرعه في كل كلمة. لقد كانت ابنة الميدان، لا المكاتب، وابنة فلسطين، لا الشاشات.
في موتها، أعادت تعريف الحياة المهنية للصحفي. وفي سيرتها، كتبت ما عجزت السياسة عن قوله: أن الحقيقة لا تموت، وإن سكت صوتها.
اقرأ أيضاً

قبيلة العصارنة السيبانية تنفي شائعات رفضها لمعسكرات حلف قبائل حضرموت وتؤكد ولاءها الكامل للحلف
جريدتنا اليومية
انضم إلينا لتبقى مواكباً لأحدث
التطورات المحلية والعالمية